لم يترك الاستكبار المستعمر فرصةً عسكرية إلاَّ وخاضها في منطقتنا لاحتلالها ميدانياً وثقافياً وتنموياً وسياسياً، ولكنَّه اكتشفَ صعوبةَ استمرار احتلاله وتكلفته الباهظة، فلجأ إلى الحرب النَّاعمة كبديلٍ قليل التكلفة، وبآثارٍ كبيرة تصبُّ في مصلحته.
الحربُ النَّاعمة تركز على هوى النفس والمشاعر والرغبات لتنفُذَ من خلالها إلى جذب الإنسان إلى أهداف أصحابها، وتروِّج إعلامياً لقلب الحقائق لتحرف العقول عن مسارها الصحيح في الحكم على الأشياء، وقد عرَّفها جوزيف ناي، صاحب كتاب "الحرب النَّاعمة" بأنَّها: "القدرة للحصول على ما تريد عن طريق الجاذبية بدلاً من الإرغام".
الحربُ النَّاعمة تستهدفُ إبدالَ قِيَمِنا بقِيَمٍ أخرى، وضربَ استقلالنا الثقافي لنكون أتباع المناهج الأجنبية، وربْطَنا بطريقة الحياة الأمريكية في العادات والتقاليد وطريقة الطعام واللباس، وبمعنى آخر إغراقنا في متعة الجسد من دون قيود أو ضوابط، وإبعادنا عن أي حالة معنوية تربطنا بخالقنا، وتشويش رؤيتنا السياسية للقضايا والأحداث بانسحاق أمام الأجنبي.
نضربُ مثالاً رَاجَ في مجتمعنا كجزءٍ من الحرب النَّاعمة، عندما تصدى البعضُ ليرفعَ شعار: "أحبُّ الحياة"، وهو في ظاهرِهِ شعارٌ جميل، "وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَيمَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ"،وكُلَّنا يحبُّ الحياة، ولكنَّه شعارٌ يستهدف رفضَ مقاومة إسرائيل،ورفض الشهادة على طريق العزّة والكرامة. يريدُ أصحابه التسويات التي توقفُ القتال بصرف النظر عن نتائجها، وهي بطبيعة الحال متلازمة مع الاستسلام وتحقيق أهداف "إسرائيل"، ولكنْ: تحت عنوان إرادة المجتمع الدولي، وعدم القدرة على المواجهة، يُصبحُ الشعار مدغدغاً للمشاعر في التعلق بالحياة مقابل الموت!.
علينا أن نفضح خلفية هذا الشعار، فالمطلوب هو شعار: "أحبُّ الحياة العزيزة"، وما التضحيات إلاَّ سبيلٌ لإنقاذ الأمة، وكما قال أمير المؤمنين علي(ع): "الموتُ في حياتكم مقهورين، والحياةُ في موتكم قاهرين"، إذ ما قيمةُ الأمَّة إذا ما كانت مستسلمة للاستكبار و"إسرائيل"؟!
ففي فهمنا وقناعتنا، أنَّ المقاومة هي الحياة، وقد رأينا نتائج انتصار الثلاثي المشرِّف: المقاومة والجيش والشعب، في مواجهة عدوان "إسرائيل" في تموز 2006، وتحرير 2000م، على مكانة لبنان ودوره واستقلاله، وكيف كان قبل ذلك أُلعوبةً بيد الأجانب بسبب ضعفه وتسليم قراره لهم.
الحربُ النَّاعمة تُخاضُ ضدنا في كل المجالات، عبر الإعلام ووسائل الاتصال والتعليم والسياسة..، وعلينا أن نلتفت إلى الشعارات والأفكار التي يُراد ترويجها، وهنا يأتي دور المعلم كموجِّه ليُبيِّنَ الحقائق لتلامذته، ويكشف المستور خلف الشعارات البرَّاقة، ويعوِّدَ تلامذته على متابعة الدليل نحو الحقائق، لنواجه هذه الحرب بوعيٍ، وإيمانٍ، وثقةٍ، ورجاءٍ، وأملٍ كبير بالانتصار عليها.
نائب الأمين العام لحزب الله /سماحة الشيخ نعيم قاسم
رسالة المعلم-العدد43
بتوقيت بيروت