تظهر المسوحات الضوئية للمخ أن سلسلة معقدة من الأرقام والحروف في صيغة رياضية يمكن أن تثير نفس الإحساس بالاستحسان مثل عمل فني رائع أو قطعة موسيقية من تأليف ملحن موهوب. وفي دراسة، تم عرض معادلات "قبيحة" وأخرى "جميلة" على المتخصصين في علم الرياضيات خلال مسح ضوئي للمخ أجري عليهم في لندن كوليدج بجامعة لندن. ونشطت نفس مراكز الإحساس العاطفي في المخ، التي تستحسن الفن وتسمتع به، عند رؤية الصيغ الرياضية الجميلة.
ويشير الباحثون إلى أنه ربما يكون هناك أساس عصبي بيولوجي لتقدير الجمال. ومن النادر أن يشير الناس إلى متطابقة عالم الرياضيات ليونارد أويلر أو نظرية فيثاغورس بنفس الطريقة التي يشيرون بها إلى الأعمال الفنية الرائعة للموسيقي موزارت أو الروائي شكسبير أو الرسام فان جوخ. وأعطت الدراسة التي نشرت في مجلة علم الأعصاب "جورنال فرونتيرز إن هيومان نيوروساينس" المتخصصين في علم الرياضيات 60 صيغة رياضية لتقديرها.
وقال الباحث البروفيسور سمير زكي لبي بي سي: "عدد كبير من المناطق بالمخ يشترك في رؤية المعادلات الرياضية، لكن عندما ينظر شخص إلى صيغة رياضية يقدرها على أنها جميلة، فإن هذا ينشط مراكز الإحساس العاطفي في المخ تماما مثل النظر إلى لوحة فنية رائعة أو قطعة موسيقى".
وكلما قدر الأشخاص، الذين خضعوا للدراسة، الصيغة الرياضية بأنها أكثر جمالا، كلما زاد النشاط الذي يتم اكتشافه خلال مسح المخ بالرنين المغناطيسي. وأضاف زكي: "علم الأعصاب لا يمكن أن يخبرك ما هو الجمال، لكن إذا وجدت أنت صيغة رياضية جميلة، فإنه من المرجح أن تنشط مراكز الإحساس العاطفي في القشرة الأمامية الوسطى للمخ... يمكنك أن تجد الجمال في أي شيء."
النسبة للعين غير المدربة، ربما لا تجد جمالا في متطابقة أويلر، لكن الدراسة أظهرت أنها الاختيار المفضل بالنسبة للمتخصصين في علم الرياضيات.
إنها التفضيل الشخصي للبروفيسور ديفيد بيرسي من "معهد علوم الرياضيات وتطبيقاتها". ويقول: "إنها كلاسيكية فعلا، وأنت لا تستطيع أن تفعل شيئا أجمل من ذلك." وأضاف: "من السهل أن تنظر إليها وبعد ذلك تتعمق فيها بشكل لا يصدق. إنها تتألف من الثوابت الرياضية الخمسة وكذلك العمليات الحسابية الثلاثة الأساسية الجمع والضرب والصيغ الأساسية." ويقول بيرسي: "في البداية أنت لا تدرك الانعكاسات، إنه أثر تدريجي ربما يكون مثلما تستمع إلى قطعة موسيقى، وفجأة تصبح رائعة بالنسبة لك حينما تدرك كل جمالها". ويضيف أن الجمال مصدر "للإلهام ويعطيك الحماس لاكتشافه في الأشياء".
أما المتخصص في علم الرياضيات البروفيسور ماركوس دو سوتوي فيقول إنه "بالطبع" يرى الجمال في علم الرياضيات وإن ذلك "يحفز كل المتخصصين في هذا العلم."
ويؤكد دو سوتوي أنه يعشق "الشيء الصغير الذي فعله عالم الرياضيات بيير دي فيرما"، والذي توصل إلى أن أي عدد أولي يقبل القسمة على أربعة ثم يتبقى واحد، فإن ذلك العدد الأولي يكون حصيلة جمع رقمين كل منهما مضروب في نفسه. ولذلك فإن الرقم 41 هو عدد أولي يمكن قسمته على أربعة ويتبقى واحد وهو أيضا حصيلة جمع 25 (25 تساوي الرقم 5 مضروبا في نفسه ) + 16 (16 تساوي الرقم 4 مضروبا في نفسه).
ويضيف : "لذلك فإنه إذا تبقى لدينا واحد فيمكننا دائما كتابة العدد كرقمين تربيع، وفي ذلك شيء من الجمال". ويقول دو سوتوي: "من غير المتوقع أن يكون الشيئان (العدد الأولي والتربيع) مرتبطين ببعضهما البعض بأية طريقة، ولكن بتطور الدليل تبدأ أنت في رؤية الفكرتين تنسجان معا مثل قطعة الموسيقى وتبدأ في رؤية الارتباط بينهما."
ويرى البروفيسور دو سوتوي أن الرحلة كلها تكون شيقة وليس الدليل النهائي فقط "مثلما هو الحال في قطعة الموسيقى، فليس كافيا أن تستمع إلى المقطع الأخير من اللحن." ويعتبر دو سوتوي أن جمال علم الرياضيات مفتقد في المدارس، ومع ذلك، فإن الأشياء الرائعة يمكن تقديمها في المدارس الابتدائية وفقا لقدرات الأطفال.
وفي الدراسة اعتبر المتخصصون في علم الرياضيات الذين خضعوا للتجربة أن السلاسل اللانهائية والمعادلة الوظيفية لعالم الرياضيات سرينيفاسا رامانوجان أقبح صيغة رياضية.
جيمز غالاغر
مراسل بي بي سي لشؤون الصحة والعلوم
بتوقيت بيروت