القرآن
الكريم وفضل العلم
يكفي العلم جلالة وفخراً أن الله سبحانه قد جعله
السبب الكلي لخلق هذا العالم العلوي والسفلي ، قال الله تعالى في محكم
الكتاب:﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ
مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ
عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ
عِلْمًا﴾1.
وجعل سبحانه العلم أعلى شرف، وأول منة امتن بها
على ابن آدم بعد خلقه وإبرازه من ظلمة العدم إلى ضياء الوجود، فقال سبحانه
في أول سورة أنزلها على نبيه محمد صلى الله عليه وآله:﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ
الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾2.
فتأمل كيف افتتح كتابه الكريم بنعمة الإيجاد، ثم
أردفها بنعمة العلم، فلو كان ثمة منة أو توجد نعمة بعد نعمة الإيجاد هي أعلى
من العلم لما خصه الله تعالى بذلك، وصدّر به نور الهداية.
وقد ذكر الرازي في تفسيره 3 في وجه
التناسب بين الآية المذكورة في صدر هذه السورة التي قد اشتمل بعضها على خلق
الإنسان من علق، وفي بعضها تعليمه ما لم يعلم، ليحصل النظم البديع في ترتيب آياته : إنه تعالى ذكر
أول حال الإنسان، وهو كونه علقة، مع أنها أخس الأشياء، وآخرَ حالِه، فصرتَ
في آخرِ حالك في هذه الدرجة التي هي الغاية في الشرف، وهذا، إنما يتم لو كان
العلم أشرف المراتب، إذ لو كان غيره أشرف لكان ذكر ذلك الشيء في هذا المقام
أولى، وحصر سبحانه الخشية في العلماء، فقال:﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ
عِبَادِهِ الْعُلَمَاء﴾4.
وهذه الآية فيها وجوه من الدلائل على فضل العلم:
منها:
دلالتها على أن العلماء هم أهل الجنة، وذلك لأن العلماء من أهل الخشية، ومن
كان من أهل الخشية كان من أهل الجنة فالعلماء من أهل الجنة، فبيان أن
العلماء من أهل الخشية قوله تعالى:﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ
عِبَادِهِ الْعُلَمَاء﴾.
وبيان
أن أهل الخشية من أهل الجنة قوله تعالى:﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن
تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ- إلى قوله
تعالى-
ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ﴾5.
وقرن
سبحانه أولي العلم بنفسه وملائكته، فقال:﴿شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ
إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ﴾6 .
وزاد
في إكرامهم على ذلك مع الاقتران المذكور، بقوله تعالى:﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ
إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾7 .
وبقوله
تعالى: ﴿قُلْ كَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ
عِلْمُ الْكِتَابِ﴾8
وقال
تعالى:﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا
الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾9 .
وقال
تعالى مخاطبا لنبيه آمراً له مع ما آتاه من العلم والحكمة:﴿وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا
﴾10.
فهذه
نبذة من فضائله التي نبّه الله عليها في كتابه الكريم.
القرآن الكريم وخصائص العلماء
لقد خصّ الله سبحانه في كتابه العلماء بعدة مناقب
يوضح هذا الجدول أهمها:
الصفة
|
نص الآية
|
السورة
|
الإيمان
|
﴿وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِه﴾
|
آل عمران، الآية/7
|
التوحيد
|
﴿شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ
وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ﴾
|
آل عمران، الآية/18
|
البكاء والحزن
|
﴿إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ- إلى
قوله- وَيَخِرُّونَ
لِلأَذْقَانِ يَبْكُون﴾
|
الإسراء،
الآية/107-109
|
الخشوع
|
﴿إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ- إلى
قوله- وَيَزِيدُهُمْ
خُشُوعًا﴾
|
الإسراء،
الآية/107_109
|
الخشية
|
﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء﴾
|
فاطر،
الآية/35
|
إنهم أهل العقل
|
﴿وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا
يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُون﴾
|
العنكبوت،
الآية/41
|
وضوح الرؤية
|
﴿بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ
أُوتُوا الْعِلْمَ﴾
|
العنكبوت،
الآية/43
|
النبي صلى الله عليه
وآله وفضل العلم
للعلم فضله الخاص في الروايات الواردة عن النبي
حتى افترض طلبه على كل مسلم، فقد ورد عنه صلى الله عليه وآله:"طلب العلم فريضة على كل مسلم"11.
ومن
الروايات التي تدل على فضل طلب العلم.
1. عن
رسول الله صلى الله عليه واله وسلم :" من طلب علماً فأدركه كتب الله له كفلين من الأجر، ومن طلب علما فلم
يدركه كتب الله له كفلاً من الأجر"12.
2. وعنه
صلى الله عليه واله وسلم :" من أحب أن ينظر إلى عتقاء الله من النار فلينظر إلى المتعلمين،
فوالذي نفسي بيده ما من متعلم يختلف إلى باب العالم إلا كتب الله له بكل قدم
عبادة سنة، وبنى الله له بكل قدم مدينة في الجنة، ويمشي على الأرض وهي
تستغفر له، ويمسي ويصبح مغفوراً له، وشهدت الملائكة أنه من عتقاء الله من
النار"13.
3. وعنه
صلى الله عليه واله وسلم :" من طلب علم، فهو كالصائم نهاره القائم ليله، وإن باباً من العلم
يتعلمه الرجل خير له من أن يكون أبو قبيس جبل معروف بمكة ذهباً فأنفقه في
سبيل الله"14.
4. وعنه صلى الله عليه واله وسلم :" من جاءه الموت وهو يطلب العلم ليحيي به الإسلام كان بينه وبين
الأنبياء درجة واحدة في الجنة"15.
5. وعنه
صلى الله عليه واله وسلم :" من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع"16.
6. وعنه
صلى الله عليه واله وسلم :" من خرج يطلب بابا من العلم ليرد به باطلاً إلى حق، وضالا إلى هدى كان
عمله كعبادة أربعين عاماً"17.
7. وعنه صلى الله عليه واله
وسلم :" إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع"18.
8.وعنه
صلى الله عليه واله وسلم :" اطلبوا العلم ولو بالصين"19.
9.وعنه صلى الله عليه واله وسلم :" طلب العلم فريضة على كل مسلم، فاطلبوا العلم في مظانه واقتبسوه من
أهله، فإن تعلمه لله تعالى حسنة، وطلبه عبادة، والمذاكرة به تسبيح، والعلم
به جهاد، وتعليمه من لا يعلمه صدقة، وبذله لأهله قربة إلى الله تعالى، لأنه
معالم الحلال والحرام ومنار سبيل الجنة، والمؤنس في الوحشة، والصاحب في
الغربة والوحدة، والمحدث في الخلوة،
والدليل على السراء والضراء، والسلاح على الأعداء، والزين عند الأخلاء، يرفع
الله به أقواما فيجعلهم في الخير قادة تقتبس آثارهم ويقتدى بفعالهم، وينتهى
إلى آرائهم، ترغب الملائكة في خلتهم وبأجنحتها تمسحهم، وفي صلواتها تبارك
عليهم.
ويستغفر لهم كل رطب ويابس حتى حيتان
البحر وهوامه وسباع البر وأنعامه. إن العلم حياة القلوب من الجهل، وضياء
الأبصار من الظلمة، وقوة الأبدان من الضعف، يبلغ بالعبد منازل الأخيار،
ومجالس الأبرار، والدرجات العلا في الآخرة والأولى. الذكر فيه يعدل بالصيام،
ومدارسته بالقيام، به يطاع الرب ويعبد، وبه توصل الأرحام، ويعرف الحلال
والحرام.
والعلم إمام، والعمل تابعه، يلهمه الله
السعداء، ويحرمه الأشقياء، فطوبى لمن لم يحرمه الله من حظه"20.
فضل العلماء
ورد في
الروايات عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه واله وسلم أحاديث كثيرة في فضل
العلماء منها:
1. "فضل العالم على
العابد كفضلي على أدناكم، إنّ الله وملائكته وأهل السماوات والأرض حتّى النملة في حجرها، وحتّى الحوت في الماء ليُصلّون على معلِّم
الناس الخير"21 .
2. "رحم الله خلفائي: فقيل: يا رسول الله! ومن خلفاؤك؟ قال: الذين يُحيون سنّتي ويُعلّمونها عباد الله"22 .
3. "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينفع به، أو ولد صالح يدعو له".
4. "خير ما يخلف الرجل من بعده ثلاث: ولد صالح يدعو له، وصدقة
تجري يبلغه أجرها، وعلم يُعمل به من بعده"23 .
6. "إنّ مثل العلماء في الأرض كمثل النجوم في السماء. يُهتدى
بها في ظلمات البرِّ والبحر، فإذا انطمست أوشك أنْ تضلَّ الهداة". وقوله صلى
الله عليه واله وسلم :"العالم والمتعلِّم
شريكان في الأجر، ولا خير في سائر الناس"24 .
وبيّن
النبيّ صلى الله عليه واله وسلم ـ فيما ورد عنه ـ أنّ النجاة لا
تكون إلّا لمن هو في دائرة العلم وإلّا فالمصير الهلاك، فعنه صلى الله عليه
واله وسلم :"اغدُ عالماً أو متعلِّماً أو مُستمعاً أو مُحبّاً، ولا تكن الخامس
فتهلك"25.
|