تتساءل ما هي الإمكانات المودعة لكل هذه التكنولوجيا الجديدة في عالمنا؟ لم يعد لمواقع التواصل الاجتماعي وغيرها من مجالات الاتصال تأثير على أسلوب حياة البشر فحسب، بل تعدّاها إلى التأثير على نفس حياتهم وموتهم. فمنذ خمس سنين وفريقٌ من المتطوعين يعمل على رسم وتعيين “خرائط الأزمات والكوارث” الكبيرة التي تعصف في عدة أماكن من العالم.
من الفيضانات والزلازل، فالأزمات المدنية وصولا الى أراضي المعارك والنزاعات المسلحة… كلها تقع تحت الإبَر التي توخز بها خرائط اليوم، عبر التقنيّة الجديدة لـ”تعيين خرائط الأزمة” أو Crisis Mapping. فقد قدّم راسمو هذه الخرائط إلى الجهات الإنقاذيّة والمنظّمات الإنسانية وبعض المؤسّسات الرسميّة (الأمم المتحدة، منظمة الصحة العالمية، قوّات المارينز وخفر السواحل الأميركية…) في بعض البلدان التي أصابتها أزمة معينة، وسيلةً مهمة لمساعدة الضحايا فيها عبر “جمع، عرض وتحليل المعلومات الواردة من موقع الأزمة وبالتوقيت الواقعي”.
تقوم منصّات “خرائط الأزمات” بعرض تقارير شهود العيان المرسَلة عن طريق البريد الإلكتروني، الرسائل النصية، ووسائل الإعلام الاجتماعية، وذلك عبر رسم هذه التقارير على خرائط تفاعلية لتدوين سجلّ للجغرافيا المكانية للأحداث في الوقت الحقيقي. وكان يعمل الجيل الأول من هذه التقنيات من قبل البرمجيات الحرة مفتوحة المصدر، التي تنتجها بعض المنظمات مثل ساهانا وأوشاهيدي، حيث تستقبل رسائل شهود العيان وتعيّن موقع كل حادثة من هذه الأزمة على خريطة غوغل، خالقة بذلك سجلا عاما من الاحداث. هذه الخرائط عبارة عن “تحذيرات مبكرة لتأمين الاستجابة السريعة للحالات الإنسانية الطارئة”.
من الأمثلة الأولى لهذه التقنية زلزال عام 2010 في هايتي، حيث تم جمع كمية من الرسائل النصية، والتغريدات، والصور، والفيديو، وتقارير مواقع الإنترنت لخلق “خريطة أزمة حية” من الاحتياجات الإنسانية العاجلة. فأظهرت الخارطة بالضبط أين يرقد الضحايا الذين دُفنوا تحت أنقاض المباني المنهارة، وحيث المستلزمات الطبية اللازمة ليتم تسليمها، مما ساعد في إنقاذ مئات الناس. لقد تطلب هذا العمل فريقا موهوباً من خارقي المواقع (هاكِر) العاملين في البرمجيات الحرة مفتوحة المصدر… إلا أنّ البرامج الأوّليّة لم تكن مجهزة للتعامل مع الحجم الكبير للمعلومات وسرعتها العاجلة.
في معهد قطر لبحوث الحوسبة (QCRI) في الدوحة، يحاول باتريك ماير (35 عاما)- مؤسّس الفكرة- مع أهم فريق من معيّني خرائط الأزمات، حل مشاكل هذه “التقنيّة الإنسانيّة”، عبر إنشاء “لوحة تويتر للإستجابة للأزمات”. وهو يعمل على تطوير “مصنفات تويتر”، وهي خوارزميات يمكن أن تحدد التغريدات ذات الصلة بالأزمات.
لكن، كأي تقنية، يبقى لديها حدود للخدمة: فالمصنفات التي تنتقي معلومات عن كارثة معينة ليست بالضرورة قادرة على ذلك في كارثة أخرى. إلا أن هذا الفريق يطور لوحة تحكم يمكن للمستخدم من خلالها أن “يدرّب” البرنامج على عناوين لأزمات جديدة. كما يسعى لنقل هذه المصنفات الى عالم تطبيقات الهواتف لتصبح بمتناول الجميع.
أما أنت، فإن كان عندك دافعٌ إنسانيٌ كهذا ولديك الحد الأدنى من الخبرة السيبيرية ، وبدأتَ تحلم بأن تكون من الجيل الجديد من “معييني خرائط الأزمات”، فهذا يتطلب منك مهارات إضافية في “تحليل المعلومات والذكاء الاصطناعي والحوسبة الاجتماعية”.
وعليك طبعا التعرف على كيفية التعامل مع الطرق والوسائل التي توظّفها هذه الفِرَق لرسم هذه الخرائط، مثل:
- بيانات الأحداث المتعددة المصدر
- الصور الجوية وصور الأقمار الصناعية
- أنظمة الجغرافيا المكانية
- المحاكاة الحية
- النماذج الحسابية والإحصائية
هذا الفريق ليس وحده في ساحة العمل. فكيف له أن يقوم بكل هذا دون مساعدة؟! هناك مئات من المتطوعين الذين يساعدون تقنياً في رسم الخرائط أو جمع البيانات على شبكة الانترنت أو حتى التواجد في موقع الأزمة لإفادة الفريق بالأخبار بلحظتها. المتطوعون يُقسمون الى 11 فريق مختص، من ضمنها: مجموعة “الموقع الجيولوجي” لمعرفة إحداثيات ال GPS، وفريق “التدقيق” في صحة معلومات المواقع الاجتماعية، وفريق “الأقمار الصناعية” لتحليل الصور من الفضاء…
“الآن يمكنك أن تتخيل مشهد الفوضى لأي أزمة ينجلي أمامك، وترى خريطة إنترنت مضاءة بأهم المعلومات المرسَلة لحظة بلحظة، لتعكس ماذا يحدث هناك، ما هي الأضرار والحاجات، وأين هي بالضبط!”
هوامش:
عربياً، قام باتريك ماير وفريقه برسم “خرائط أزمة” للانتخابات الأخيرة في مصر وتونس، وأخرى لأزمة اللاجئين في ليبيا بطلب من الأمم المتحدة وقد فشل الفريق في تحقيق ذلك في سوريا أيضاً.
المصادر:
· موقع مجلة ناشيونال جيوغرافيك NGM.com
· irevolution.net
· Crisismappers.net
محمد عطاالله – سنة خامسة ميكانيك(كلية الهندسة/الجامعة اللبنانية)
مجلة اوريكا العلمية
بتوقيت بيروت